بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن كتاب الله الخالد المعجز المنزل على عبده ورسوله وخاتمرسله محمد صلى الله عليه وسلم والذي أذن الله بحفظه من أن يغير أو يبدل، أو يزادفيه، أو ينقص منه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وهو الكتاب الذي بين أيدينا في مشارق الأرض ومغاربها، الكتاب الذي تلقاه الرسول من جبريل، وجبريل من رب العزة تبارك وتعالى، والذي علمه رسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الأطهار، وحمله الدين السفرة البررة الكرام، والذي جمعه الصديق بإشارة الفاروق، ودونه ذو النورين عثمان، وأجمعت الأمة المسلمة عليه.
هذا الكتاب هو دستور المسلمين وشريعتهم وصراطهم المستقيم، وحبل الله المتين، وهدايته الدائمة وموعظته إلى عباده، آية صدق رسوله الباقية إلى آخر الدنيا، وهو سبيل عز المسلمين في كل العصور والدهور، ولما كان القرآن كذلك تعبدنا الله بتلاوته، وجعل خيرنا من تعلمه وعلمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرا حرفاً واحداً منه كان له به عشر حسنات. (رواه الترمذي والدارمي وصححه الألباني في الصحيحة 2327).
وان من قرأ وهو يتعتع فيه فله أجران، ومن كان ماهراً به كان من السفرة الكرام البررة من الملائكة يوم القيامة (متفق عليه)، وأن قارئ القرآن الحافظ له يقال له يوم القيامة: {اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع 8122)
فلا يزال يرقى في منازل الجنة حتى ينتهي آخر حفظه، وهذه منزلة عظيمة ليست لأحد إلا لحافظ القرآن.
ولما كان هذا فضل حفظ القرآن فإني أحببت أن أضع بين يدي إخواني بعض القواعد العامة التي تساعدهم في حفظ القرآن ولينالوا هذه المنزلة العظيمة أو بعضهاً منها، وما لا يدرك كله فلا بأس بإدراك بعضه أو جله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
القاعدة الأولى: الإخلاص
وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن والعناية به من أجل الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن قرأ القرآن وحفظه، قال تعالى: {فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص}. وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين}.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله تعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} (رواه مسلم)
فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ القرآن وحفظه رياء أو سمعة، ولا شك أن من قرأ القرآن مريداً الدنيا طالباً به الأجر الدنيوي فهو آثم.
القاعدة الثانية: تصحيح النطق والقراءة
أول خطوة في طريق الحفظ بعد الإخلاص هو وجوب تصحيح النطق بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسولوهو أفصحالعرب لساناً من جبريل شفاهاً، وكان الرسول نفسه يعرض القرآن على جبريل كل سنة مرةواحدة في رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه عرضتين. (متفق عليه)
وكذلكعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاهاً وسمعه منهم بعد أخذ القرآن مشافهةمن قارئ مجيد، وتصحيح القراءة أولاً بأول، وعدم الاعتماد على النفس في قراءة القرآنحتى لو كان الشخص ملماً بالعربية وعليماً بقواعدها، وذلك إن في القرآن آيات كثيرةقد تأتي على خلاف المشهور من قواعد العربية.
القاعدة الثالثة: تحديد نسبة الحفظ كل يوم
يجب على مريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم: عدداً من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف أو ثمناً للجزء وهكذا، فيبدأبعد تحديد مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون هذا التكرارمع التغني، وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاعمحبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك علىالخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانهلا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر، هذا إلى جانب أن التغنيبالقرآن فرض لا يجوز مخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: [من لم يتغن بالقرآن فليسمنا] (رواه البخاري)..
القاعدة الرابعة: لا تجاوزمقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً:
لا يجوز للحافظ أنيتنقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تماماً حفظ المقرر القديم وذلك ليثبت ماحفظه تماماً في الذهن، ولا شك إن ما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلةساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إماماً ففي الجهرية،وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وبهذه الطريقةيسهل الحفظ جداً ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولاً بأشغال كثيرة لأنه لنيجلس وقتاً مخصوصاً لحفظ الآيات وإنما يكفي فقط تصحيح القراءة على القارئ، ثممزاولة الحفظ في أوقات الصلوات، وفي القراءة في النوافل والفرائض وبذلك لا يأتيالليل إلا وتكون الآيات المقرر حفظها قد ثبتت تماماً في الذهن، وإن جاء ما يشغل فيهذا اليوم فعلى الحافظ ألا يأخذ مقرراً جديداً بل عليه أن يستمر يومه الثاني معمقرره القديم حتى يتم حفظه تماماً.
القاعدةالخامسة: حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك
مما يعين تماماً علىالحفظ أن يجعل الحافظ لنفسه مصحفاً خاصاً لا يغيره مطلقاً وذلك أن الإنسان يحفظبالنظر كما يحفظ بالسمع، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن معكثرة القراءة والنظر في المصحف فإذا غير الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ منمصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يتشتت، ويصعب عليه الحفظ جداً، ولذلكفالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيره.
القاعدة السادسة: الفهم طريق الحفظ:
من أعظمما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض.
ولذلكيجب على الحافظ أن يقرأ تفسيراً للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجه ارتباط بعضهاببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك لتسهل عليه استذكار الآيات، ومع ذلكفيجب أيضاً عدم الاعتماد فيالحفظ على الفهم وحده للآيات بل يجب أن يكون الترديدللآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحياناً عن المعنىوأما من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيراً، وينقطع في القراءة بمجرد شتاتذهنه، وهذا يحدث كثيراً وخاصة عند القراءة الطويلة.
القاعدة السابعة: لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها
بعد تمام سورة ما من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلىسورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تماماً، وربط أولها بآخرها، وأن يجري لسانه بهابسهولة ويسر، ودون إعناء فكر وكد في تذكر الآيات، ومتابعة القراءة، بل يجب أن يكونالحفظ كالماء، ويقرأ الحافظ السور دون تلكؤ حتى لو شت ذهنه عن متابعة المعانيأحياناً، كما يقرأ القارئ منا فاتحة الكتاب دون عناء أو استحضار، وذلك من كثرةتردادها، وقراءتها، ومع أن الحفظ لكل سور القرآن لن يكون كالفاتحة إلا نادراً، ولكنالقصد هو التمثيل، والتذكير بأن السورة ينبغي أن تكتب في الذهن وحدة مترابطةمتماسكة، وألا يجاوزها الحافظ إلى غيرها إلا بعد اتقان حفظها.
القاعدة الثامنة: التسميع الدائم
يجب علىالحافظ ألا يعتمد على حفظه بمفرده، بل يجب أن يعرض حفظه دائماً على حافظ آخر، أومتابع في المصحف، حبذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبه الحافظ بما يمكن أنيدخل في القراءة من خطأ، وما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة وردده دونوعي، فكثير ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ، ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر في المصحفلأن القراءة كثيراً ما تسبق النظر، فينظر مريد الحفظ المصحف ولا يرى بنفسه موضعالخطأ من قراءته، ولذلك فيكون تسميعه القرآن لغيره وسيلة لاستدراك هذه الأخطاء،وتنبيهاً دائماً لذهنه وحفظه.
القاعدة التاسعة: المتابعة الدائمة
يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر منالشعر أو النثر، وذلك أن القرآن سريع الهروب من الذهن، بل قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: [والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
فلا يكاد حافظ القرآن يتركه قليلاً حتى يهرب منه القرآن وينساه سريعاً، ولذلكفلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن، وفي ذلك يقولالرسول صلى الله عليه وسلم: [إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إنعاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت] (متفق عليه) وقال أيضاً: [تعاهدوا القرآنفوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
وهذا يعنيأنه يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء من الثلاثين جزءاً من القرآنكل يوم، وأكثره قراءة عشرة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا يفقه القرآن في أقلمن ثلاث] (رواه أبو داود بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو)
وبهذه المتابعة الدائمة، والرعاية المستمرة يستمر الحفظ ويبقى، ومن غيرها يتفلتالقرآن.
القاعدة العاشرة: العناية بالمتشابهات
القرآن متشابه في معانيه وألفاظه وآياته. قال تعالى: {اللهنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلينجلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
وإذا كان القرآن فيه نحواً من ستة آلاف آية ونيففإن هناك نحواً من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحياناً حد التطابق أوالاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر.
لذلك يجب على قارئالقرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، ونعني بالتشابه هناالتشابه اللفظي، وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون إجادة الحفظ، ويمكن الاستعانةعلى ذلك بكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومناشهرها:
1) درة التنزيل وغرة التأويل – بيان الآيات المتشابهات في كتاب اللهالعزيز – للخطيب الإسكافي.
2) أسرار التكرار في القرآن – لمحمود بن حمزة بن نصرالكرماني.
القاعدة الحادية عشر: اغتنم سني الحفظالذهبية
الموفق حتماً من اغتنم سنوات الحفظ الذهبية من سنالخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريباً فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جداًبل هي سنوات الحفظ الذهبية فدون الخامسة يكون الإنسان دون ذلك وبعد الثالثةوالعشرون تقريباً يبدأ الخط البياني للحفظ بالهبوط ويبدأ خط الفهم والاستيعاب فيالصعود، وعلى الإنسان أن يستغل سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله أو ما استطاعمن ذلك. والحفظ في هذا السن يكون سريعاً جداً، والنسيان يكون بطيئاً جداً بعكس ماوراء ذلك حيث يحفظ الإنسان ببطء وصعوبة، وينسى بسرعة كبيرة ولذلك صدق من قال: "الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، والحفظ في الكبر كالنقش على الماء"..
فعليناأن نغتنم سنوات الحفظ الذهبية، إن لم يكن في أنفسنا ففي أبنائناوبناتنا
القرآن كتاب الله الخالد المعجز المنزل على عبده ورسوله وخاتمرسله محمد صلى الله عليه وسلم والذي أذن الله بحفظه من أن يغير أو يبدل، أو يزادفيه، أو ينقص منه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وهو الكتاب الذي بين أيدينا في مشارق الأرض ومغاربها، الكتاب الذي تلقاه الرسول من جبريل، وجبريل من رب العزة تبارك وتعالى، والذي علمه رسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه الأطهار، وحمله الدين السفرة البررة الكرام، والذي جمعه الصديق بإشارة الفاروق، ودونه ذو النورين عثمان، وأجمعت الأمة المسلمة عليه.
هذا الكتاب هو دستور المسلمين وشريعتهم وصراطهم المستقيم، وحبل الله المتين، وهدايته الدائمة وموعظته إلى عباده، آية صدق رسوله الباقية إلى آخر الدنيا، وهو سبيل عز المسلمين في كل العصور والدهور، ولما كان القرآن كذلك تعبدنا الله بتلاوته، وجعل خيرنا من تعلمه وعلمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرا حرفاً واحداً منه كان له به عشر حسنات. (رواه الترمذي والدارمي وصححه الألباني في الصحيحة 2327).
وان من قرأ وهو يتعتع فيه فله أجران، ومن كان ماهراً به كان من السفرة الكرام البررة من الملائكة يوم القيامة (متفق عليه)، وأن قارئ القرآن الحافظ له يقال له يوم القيامة: {اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع 8122)
فلا يزال يرقى في منازل الجنة حتى ينتهي آخر حفظه، وهذه منزلة عظيمة ليست لأحد إلا لحافظ القرآن.
ولما كان هذا فضل حفظ القرآن فإني أحببت أن أضع بين يدي إخواني بعض القواعد العامة التي تساعدهم في حفظ القرآن ولينالوا هذه المنزلة العظيمة أو بعضهاً منها، وما لا يدرك كله فلا بأس بإدراك بعضه أو جله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
القاعدة الأولى: الإخلاص
وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن والعناية به من أجل الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن قرأ القرآن وحفظه، قال تعالى: {فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص}. وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين}.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله تعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} (رواه مسلم)
فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ القرآن وحفظه رياء أو سمعة، ولا شك أن من قرأ القرآن مريداً الدنيا طالباً به الأجر الدنيوي فهو آثم.
القاعدة الثانية: تصحيح النطق والقراءة
أول خطوة في طريق الحفظ بعد الإخلاص هو وجوب تصحيح النطق بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسولوهو أفصحالعرب لساناً من جبريل شفاهاً، وكان الرسول نفسه يعرض القرآن على جبريل كل سنة مرةواحدة في رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه عرضتين. (متفق عليه)
وكذلكعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاهاً وسمعه منهم بعد أخذ القرآن مشافهةمن قارئ مجيد، وتصحيح القراءة أولاً بأول، وعدم الاعتماد على النفس في قراءة القرآنحتى لو كان الشخص ملماً بالعربية وعليماً بقواعدها، وذلك إن في القرآن آيات كثيرةقد تأتي على خلاف المشهور من قواعد العربية.
القاعدة الثالثة: تحديد نسبة الحفظ كل يوم
يجب على مريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم: عدداً من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف أو ثمناً للجزء وهكذا، فيبدأبعد تحديد مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون هذا التكرارمع التغني، وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاعمحبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك علىالخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانهلا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر، هذا إلى جانب أن التغنيبالقرآن فرض لا يجوز مخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: [من لم يتغن بالقرآن فليسمنا] (رواه البخاري)..
القاعدة الرابعة: لا تجاوزمقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً:
لا يجوز للحافظ أنيتنقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تماماً حفظ المقرر القديم وذلك ليثبت ماحفظه تماماً في الذهن، ولا شك إن ما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلةساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إماماً ففي الجهرية،وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وبهذه الطريقةيسهل الحفظ جداً ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولاً بأشغال كثيرة لأنه لنيجلس وقتاً مخصوصاً لحفظ الآيات وإنما يكفي فقط تصحيح القراءة على القارئ، ثممزاولة الحفظ في أوقات الصلوات، وفي القراءة في النوافل والفرائض وبذلك لا يأتيالليل إلا وتكون الآيات المقرر حفظها قد ثبتت تماماً في الذهن، وإن جاء ما يشغل فيهذا اليوم فعلى الحافظ ألا يأخذ مقرراً جديداً بل عليه أن يستمر يومه الثاني معمقرره القديم حتى يتم حفظه تماماً.
القاعدةالخامسة: حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك
مما يعين تماماً علىالحفظ أن يجعل الحافظ لنفسه مصحفاً خاصاً لا يغيره مطلقاً وذلك أن الإنسان يحفظبالنظر كما يحفظ بالسمع، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن معكثرة القراءة والنظر في المصحف فإذا غير الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ منمصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يتشتت، ويصعب عليه الحفظ جداً، ولذلكفالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيره.
القاعدة السادسة: الفهم طريق الحفظ:
من أعظمما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض.
ولذلكيجب على الحافظ أن يقرأ تفسيراً للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجه ارتباط بعضهاببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك لتسهل عليه استذكار الآيات، ومع ذلكفيجب أيضاً عدم الاعتماد فيالحفظ على الفهم وحده للآيات بل يجب أن يكون الترديدللآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحياناً عن المعنىوأما من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيراً، وينقطع في القراءة بمجرد شتاتذهنه، وهذا يحدث كثيراً وخاصة عند القراءة الطويلة.
القاعدة السابعة: لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها
بعد تمام سورة ما من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلىسورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تماماً، وربط أولها بآخرها، وأن يجري لسانه بهابسهولة ويسر، ودون إعناء فكر وكد في تذكر الآيات، ومتابعة القراءة، بل يجب أن يكونالحفظ كالماء، ويقرأ الحافظ السور دون تلكؤ حتى لو شت ذهنه عن متابعة المعانيأحياناً، كما يقرأ القارئ منا فاتحة الكتاب دون عناء أو استحضار، وذلك من كثرةتردادها، وقراءتها، ومع أن الحفظ لكل سور القرآن لن يكون كالفاتحة إلا نادراً، ولكنالقصد هو التمثيل، والتذكير بأن السورة ينبغي أن تكتب في الذهن وحدة مترابطةمتماسكة، وألا يجاوزها الحافظ إلى غيرها إلا بعد اتقان حفظها.
القاعدة الثامنة: التسميع الدائم
يجب علىالحافظ ألا يعتمد على حفظه بمفرده، بل يجب أن يعرض حفظه دائماً على حافظ آخر، أومتابع في المصحف، حبذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبه الحافظ بما يمكن أنيدخل في القراءة من خطأ، وما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة وردده دونوعي، فكثير ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ، ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر في المصحفلأن القراءة كثيراً ما تسبق النظر، فينظر مريد الحفظ المصحف ولا يرى بنفسه موضعالخطأ من قراءته، ولذلك فيكون تسميعه القرآن لغيره وسيلة لاستدراك هذه الأخطاء،وتنبيهاً دائماً لذهنه وحفظه.
القاعدة التاسعة: المتابعة الدائمة
يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر منالشعر أو النثر، وذلك أن القرآن سريع الهروب من الذهن، بل قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: [والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
فلا يكاد حافظ القرآن يتركه قليلاً حتى يهرب منه القرآن وينساه سريعاً، ولذلكفلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن، وفي ذلك يقولالرسول صلى الله عليه وسلم: [إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إنعاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت] (متفق عليه) وقال أيضاً: [تعاهدوا القرآنفوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
وهذا يعنيأنه يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء من الثلاثين جزءاً من القرآنكل يوم، وأكثره قراءة عشرة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا يفقه القرآن في أقلمن ثلاث] (رواه أبو داود بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو)
وبهذه المتابعة الدائمة، والرعاية المستمرة يستمر الحفظ ويبقى، ومن غيرها يتفلتالقرآن.
القاعدة العاشرة: العناية بالمتشابهات
القرآن متشابه في معانيه وألفاظه وآياته. قال تعالى: {اللهنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلينجلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
وإذا كان القرآن فيه نحواً من ستة آلاف آية ونيففإن هناك نحواً من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحياناً حد التطابق أوالاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر.
لذلك يجب على قارئالقرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، ونعني بالتشابه هناالتشابه اللفظي، وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون إجادة الحفظ، ويمكن الاستعانةعلى ذلك بكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومناشهرها:
1) درة التنزيل وغرة التأويل – بيان الآيات المتشابهات في كتاب اللهالعزيز – للخطيب الإسكافي.
2) أسرار التكرار في القرآن – لمحمود بن حمزة بن نصرالكرماني.
القاعدة الحادية عشر: اغتنم سني الحفظالذهبية
الموفق حتماً من اغتنم سنوات الحفظ الذهبية من سنالخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريباً فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جداًبل هي سنوات الحفظ الذهبية فدون الخامسة يكون الإنسان دون ذلك وبعد الثالثةوالعشرون تقريباً يبدأ الخط البياني للحفظ بالهبوط ويبدأ خط الفهم والاستيعاب فيالصعود، وعلى الإنسان أن يستغل سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله أو ما استطاعمن ذلك. والحفظ في هذا السن يكون سريعاً جداً، والنسيان يكون بطيئاً جداً بعكس ماوراء ذلك حيث يحفظ الإنسان ببطء وصعوبة، وينسى بسرعة كبيرة ولذلك صدق من قال: "الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، والحفظ في الكبر كالنقش على الماء"..
فعليناأن نغتنم سنوات الحفظ الذهبية، إن لم يكن في أنفسنا ففي أبنائناوبناتنا